improve alexa rank عندما ضحك المستشار «ممدوح وحيد» -->
ومن الحب ما قتل ومن الحب ما قتل

recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

عندما ضحك المستشار «ممدوح وحيد»

 لم يكن بوسعنا أن نلتقي، بعدما تولى الرجل منصبه الجديد في النيابة العامة عام 2010، لإنشغاله بالتحقيق في العديد من القضايا المهمة، والتي شغلت حينها الرأي العام لشهور طويلة، ورغم ذلك قرر التركيز العمل عليها في سرية تامة، حفاظا على سير التحقيقات فيها، لم يشغله سوى البحث عن الحقيقة، وتقديم أدلة اتهام مؤكدة ضد المتهمين، وتقديمهم للمحاكمة، أو إثبات براءة بريء، وحفظ القضية. 

في يناير 2010، شغل المستشار  الجليل «ممدوح وحيد» منصب المحامي العام الأول لنيابات وسط القاهرة، يعمل وفق قواعد صارمة، وضوابط ثابتة، يبحث عن الحقيقة، التي لا يمكن تجاوزها أو العدول عنها، فمهما كثرت محاولاتك للحصول على معلومة أو تفاصيل أي قضية تتبع إدارته، فلن تجد إلا عبارة واحدة، يرددها كل العاملين: «صعب جدا معلومة تطلع من النيابة، المحامي العام مانع خروج أي تفاصيل إلى الصحافة». 

المستشار ممدوح وحيد

وفي يناير عام 2010، كنت بدأت في نشر تفاصيل القضية المعروفة إعلاميا بنائب القمار، تلك التي اتهمت فيها النيابة العامة عضو مجلس شعب عن الحزب الوطني، وصديقه «صاحب شركة اتصالات»، بممارسة القمار داخل كازينو أحد فنادق القاهرة، تلك القضية التي شغلت الرأي العام لشهور طويلة حينها، وانفردت بنشر تفاصيلها كاملة يوما بعد الآخر. 

وفي أحد الأيام، علمت أن المستشار ممدوح وحيد، يسأل عني، وعن كيفية حصولي على تفاصيل القضية، ونص أقوال المتهمين فيها، والصور والفيديوهات التي سلمتها إدارة الكازينو للنيابة العامة، للمتهمين داخل الكازينو خلال لعب القمار، وأنه قام بسؤال جميع أعضاء النيابة عني، ربما يكون أحدهم أمدني بكافة المستندات التي نشرتها وقتها. 

دقائق قليلة، مرت على علمي بكل هذه الحكاية، بدأ بعدها إحساسي بالذنب يزداد تجاه بعض وكلاء النيابة، الذين تربطني بهم علاقة صداقة، ربما تشكك المستشار ممدوح وحيد فيهم، ربما أضرهم ما فعلت، حتى أمسكت بسماعة هاتف مكتبي، واتصلت برقم الهاتف الأرضي في مكتبه، فجائني صوته على الناحية الأخرى من الهاتف: «ألو».

أنا: مساء الخير يا أفندم.. أقدر أكلم المستشار ممدوح وحيد؟

هو: أنا ممدوح وحيد.. مين حضرتك؟

أنا: ذكرت اسمي والصحيفة التي أعمل بها؟

عندها ضحك المستشار ممدوح وحيد لعدة ثواني بصوت مرتفع، وقال: أنت بقى اللي نشرت القضية كلها.

ضحكت، وقلت له، أيوة، بس والله العظيم لم أحصل على معلومة واحدة، أو كلمة أو مستند من النيابة العامة أو أي من أعضائها. 

فقال: مصدقك، وأنا سألت كل الأعضاء، وأقسموا أنهم مخرجوش أي معلومة، وأنا بثق في رجالتي، هنا هدأ قلبي كثيرا، وذهب إحساسي بالذنب إلى حيث لا رجعة، ألا أنه عاد وفاجئني متسائلا: طيب ممكن أسالك سؤال، فأجبته بكل تاكيد، اتفضل، فقال: من أين حصلت على كل تفاصيل القضية وأوراقها؟ 

ضحكت، وقلت له: أنت رجل قانون، أليس كذلك؟ فأجاب: نعم، فقلت له: هل تحب أن يخترق أحدنا أي من القوانين، فأجاب: لا بكل تأكيد، فقلت له إن قانون نقابة الصحفيين يمنعني من الافصاح عن أسماء أو أسرار مصادري الصحفية أو الادلاء بأي معلومات عنها، أو طريقة وكيفية الحصول على المعلومات، لحماية المصادر من أي مخاطر، عندها ضحك المستشار ممدوح وحيد مرة أخرى، وطلب مني مقابلته في اليوم التالي لحديثنا على الهاتف في مكتبه بمقر محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، وتوالت اللقاءات بينا، حتى صار الرجل الذي عرف بدماثة الخلق، ولين الطبع، ولطف المعاملة ورقة الطباع، حتى صرت أشعر بأني واحدا من أبنائه، فأشعر بسعادة بالغة عندما أتلقى مكالمة هاتفية منه لدعوتي إلى مكتبه ولقائه.

ولكني حزنت مؤخرا، حزنا شديدا عندما علمت أن مكالمته الأخيرة لي قبل سنوات، لن تتكرر بعدما صعدت روحه الطاهرة إلى السماء.. رحم الله المستشار الفاضل ممدوح وحيد، وأسكنه فسيح جناته.





عن الكاتب
فاروق الدسوقي صحفي



إتصل بنا

الساعة الآن

ModyTech

جميع الحقوق محفوظة لـ

ومن الحب ما قتل

2019