improve alexa rank «حكاية ربانية» يعرفها «أبوسكينة» -->
ومن الحب ما قتل ومن الحب ما قتل

recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

«حكاية ربانية» يعرفها «أبوسكينة»

 هل قرأت عنوان هذا المقال جيداً؟، وتريد أن تعرف تلك «الحكاية الربانية» التى يعرفها الدكتور مرسى أبوسكينة، العالم الجليل، الذى مثّل مصر فى العديد من المؤتمرات العلمية والدولية حول الكيمياء، وكشف عام 1991 عن مافيا دولية كانت تنوى استغلاله فى بعض المسائل المتعلقة بـ«القنبلة النووية»، فأبلغ أمن الدولة فوراً.

فى عام 2006، أُلقى القبض على الدكتور مرسى مسعود أبوسكينة، الأستاذ المتفرغ فى كلية العلوم بجامعة طنطا، تنفيذاً لحكم قضائى صدر ضده بالسجن المؤبد «غيابياً»، لاتهامه بالشروع فى قتل مزارع ونجله، وإصابتهما بأعيرة نارية فى دمنهور، بعد خلافهم على قطعة أرض اشتراها الدكتور «أبوسكينة»، فى منطقة الكثبان الرملية بالبحيرة منهما، وجرى ترحيله إلى السجن.



إلى هنا، لم تكن الحكاية بدأت بعد، ففى إحدى ليالى شهر رمضان الكريم، عام 2006، أخبرنى صديق عن قصته، وأقسم لى أنه برىء، وترك لى أوراق القضية، ورقم تليفون نجله وانصرف، لكن عقلى لم يتقبل رواية صديقى، وثقته فى براءة الدكتور أبوسكينة، فكيف لمتهم صدر ضده حكم بالمؤبد أن يكون بريئاً؟، ما دفعنى إلى إلقاء الأوراق فى درج مكتبى وعدم الاهتمام بقضيته.

بعدها بأيام قليلة، كنت تأخرت عن العودة إلى المنزل، وقررت الإفطار فى الجريدة التى أعمل بها وقتها، وبعد أذان المغرب، وتناول وجبة الإفطار مع زملائى، لا أعرف ما الذى دفعنى إلى الذهاب لغرفة قسم التحقيقات والجلوس وحيداً داخلها، لمدة 10 دقائق، كانت هى مدة مكالمة هاتفية طويلة، انتهت بـ«حكاية ربانية»، فالله سبحانه وتعالى يعلم الحقيقة، فهو لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء، جليّها وخفيّها، ظاهرها وباطنها.

رنّ جرس الهاتف داخل الغرفة، نظرت يميناً ويساراً، لم أجد زملائى الصحفيين أعضاء قسم التحقيقات، ترددت كثيراً قبل رفع السماعة، فربما يكون المتصل رئيس التحرير، فماذا ستكون إجابتى إذا سألنى عن الزملاء؟.. وماذا سيفعل إذا أجبته: «مفيش حد موجود منهم»، وعلى غير إرادتى وجدت يدى تمتد إلى السماعة، ترفعها بحذر شديد، تضعها فوق أذنى، وتهمس: «أيوه».

على الجانب الآخر، كان هناك شخص يصرخ بصوت مرتفع: «الحقونى.. أنا ماعملتش حاجة، أنا خدمت البلد دى، وفى الآخر أترمى فى السجن مع المسجلين والقتلة والحرامية»، لحظات وبدأ عقلى يربط بين حديث هذا الشخص المنفعل على الهاتف وبين الرجل الذى ترك لى صديقى أوراق قضيته، فسألته: «حضرتك عندك ابن اسمه كذا»، فأجاب: «أيوه».. وبدأ صوته ينخفض وكأنه شعر ببعض الأمان، وواصل حديثه: «أنا الدكتور أبوسكينة.. إحدى شخصيات الموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة، التى اختارتها وزارة الثقافة للشخصيات المصرية التى أسهمت بدور بارز فى شتى مجالات الحياة المصرية عام 1987، حصلت على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم عام 1980، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا عام 1980، كما حصلت على جائزة أينشتاين العالمية فى علوم المواد الكيميائية والنووية من المجلس الأعلى للعلوم والثقافة بالمكسيك عام 1995، تبقى دى نهايتى؟».

قبل انتهاء المكالمة وإغلاق الهاتف، طمأنته وأخبرته بأن أوراق القضية معى، وأننى سأتصل بابنه للقائه، والحصول منه على كل المستندات التى تثبت براءته، ووعدته بنشر حكايته لإثبات الحقيقة، أغلقت السماعة، لكنى لم أغلق عقلى بعدها أبداً عن فهم هذه الحكاية والرسالة الربانية التى دفعتنى لتلك الغرفة، والجلوس أمام الهاتف لسماع كلمات هذا الرجل البرىء، الذى أهملتُ أوراقه.

وبعد ساعات من نشر قصته بالمستندات، تلقيت اتصالات من قيادات بوزارة الداخلية وقتها، أكدوا لى خلالها أنه يعامَل أفضل معاملة، وأنهم قرأوا حكايته، وأنه محبوس احتياطياً تنفيذاً للإجراءات حتى عرضه على المحكمة فى الموعد الذى حددته.

قضى د. أبوسكينة 57 ليلة كاملة خلف القضبان، وفى صباح يوم مثوله أمام القضاء، ارتدى بدلته الأنيقة وجمع أوراقه وكتب مذكرة الدفاع عن نفسه بنفسه وجهّز حافظة وضع بها المستندات والقصة المنشورة عنه، وطلب من رئيس المحكمة الحديث، فوافق، ثم ذكر للقاضى جميع الوقائع والأحداث، وبالفعل برّأته محكمة دمنهور بعد سماعها لأقوال الشهود الذين أثبتوا وجوده فى اجتماع مجلس كلية العلوم بجامعة طنطا فى نفس توقيت واقعة الاتهام.. وعاد الدكتور أبوسكينة إلى منزله فى مدينة طنطا ومارس عمله بين زملائه وطلابه فى الجامعة، واستمرت علاقتنا الإنسانية مستمرة لسنوات طويلة.

ما يحيرنى.. أننى عندما كنت أتذكر أو أفكر فى الدكتور أبوسكينة، كان يتصل بى بعدها مباشرة، ليسألنى: «كنت ناوى تتصل بيا النهارده»، فأضحك، وأقول له: «والله كنت لسه بفكر فيك».. حتى انقطع بيننا الاتصال بشكل نهائى لسنوات طويلة، عرفت بعدها أنه توفى.. رحم الله الدكتور أبوسكينة العالم الجليل وغفر له.

عن الكاتب
فاروق الدسوقي صحفي



إتصل بنا

الساعة الآن

ModyTech

جميع الحقوق محفوظة لـ

ومن الحب ما قتل

2019