إذا بدأتَ في قراءة هذه السطور، فاعلم أنك أمام تجربة ليست عابرة، بل حيال سيدة اختزلت في حضورها تاريخًا كاملًا من الإعلام.. سناء منصور، التي لا يكفيها وصف «القديرة» أو «الاستثنائية»، وإنما تتجاوز كل الألقاب النبيلة، لتُصبح ذاتها عنوانًا لكل ما هو راقٍ ومحترف وإنساني.
«القديرة».. لقب يُمنح لمن يستحقه، ورتبة شرف ينالها القلائل، نطلقه نحن الصحفيين على سناء منصور، لأنها استحقته بجدارة، فقد جعلت من الإعلام رسالة، قبل أن يكون وظيفة، من المصداقية عقيدة، لا اختيارًا، ومن الاحترام قاعدة دون استثناء.
![]() |
الكاتب الصحفي فاروق الدسوقي |
أتقنت عملها طوال حياتها المهنية الحافلة بالعطاء والإبداع، والمؤثرة في المشهد الإعلامي والتليفزيوني، كان أداؤها صادقًا، مهنيًا، مشبعًا بالوعي، ثابتًا في مواقفه، نقيًا في منطقه، راقيًا في صورته.
أما «الاستثنائية».. فهو وصف لكل موهبة نادرة، مثل موهبتها الفريدة الحاضرة في الذاكرة والوجدان، بطلّتها الأنيقة، وصوتها الهادئ، ورقيها في التعامل، واحترافيتها التي تفرض احترامها على الجميع.
تبوأت عرش العمل الإعلامي بكل ثبات وصدق واحترام، فموهبتها لا تُصنّف ضمن المألوف، لكنها تُعد من النوادر، متزنة في خطابها، متفردة في حواراتها، وتواضعها يمنحها مهابة لا تُقاس بموقع أو منصب.
قبل سنوات، ساقني القدر للعمل معها ضمن فريق إعداد برنامج «السفيرة عزيزة» على قناة DMC، لم أكن أدرك حينها أن هذه التجربة ستكون واحدة من أهم محطاتي المهنية، وأن وجودي إلى جوارها سيزيد مهاراتي ويثقل خبراتي، وأن الله عز وجل، أراد أن يضيف لي «إنجازا كبيرا»، فقد كانت سناء منصور، مدرسة تمشي على قدمين، تدرّبك بالصمت، وتُلهمك بالفعل.
![]() |
الإعلامية القديرة سناء منصور |
علمتني - سناء - أن الاحترام أهم من الشطارة.. وأن الإعلامي الحقيقي من يحمل أخلاق المهنة قبل أدواتها، وأن الكلمة تكتسب قوتها بالمضمون الصادق الواعي، وأن الوقوف أمام الكاميرا مسؤولية لا تليق إلا بمن يحترم عقول المشاهدين وقلوبهم.
حين تطلع على سيرة سناء منصور تغوص في حكاية سيدة نادرة، ليست إعلامية قديرة فحسب، بل أيقونة للإعلام المصري والعربي كله.
الأسبوع الماضي، سعدت بمشاهدة أولى حلقات برنامجها الجديد «ست ستات»، الذي قدمت خلاله حلقة خاصة ومميزة جدا، عن رحلة عطاء الإعلامية الكبيرة فريدة الزمر، جلست أتابعها وهي تحاورها بكل تفاني ورقي، استمعت إلى صوتها الساحر ونبرته الهادئة المميزة، راقبتها وهي تبحّر في شخصية ضيفتها ببراعة، تتأمل في ملامحها وتستكشف خفاياها، تستدرجها للبوح بخبايا ذاتها، وتلامس جوهرها الإنساني، وتنفذ إلى أعماقها، كاشفة عن جوانب لم يسبق للمتابعين أن عرفوها عنها من قبل.
استعادت سناء منصور خلال اللقاء ذكرياتها، وكيف كانت تتحمل المشقة والتعب في سبيل إعداد برامجها بعناية كبيرة، لجمع المعلومات عن ضيوفها، متنقلة بين أروقة أرشفة جريدة الأهرام ودار الهلال، وغيرهما، بحثًا عن تفاصيل تُثري لقاءاتها.. ما يؤكد شغفها العميق ورغبتها في تقديم الأفضل لجمهورها.
حلقةٌ واحدة فقط من برنامجها الجديد، كانت كافية لتؤكد أنها تصنع من كل برنامج تقدمه وثيقة حب وصدق، ومن كل لقاء درسا جديدا في أصول المهنة.
الحق أقول: إن مسيرة الإعلامية الكبيرة سناء منصور، يجب أن تُدرّس، بما تحمله من ثقل إنساني ومهني، لتُصبح جزءًا رسميا من مناهج كليات الإعلام في مصر.. لا لكونها قصة ناجحة فقط، بل لأنها ببساطة ذاكرة حية، وسيرة يجب أن تُروى في كل وقت، كدليل على أن الإعلام رسالة جليلة وعظيمة.
إن الوقوع في حب مدرسة سناء منصور ليس فعلًا مجازيًا، بل شعور حقيقي يتسلل إلى كل من عمل معها، أو تابعها، أو حتى مرّ بحكايتها ذات يوم.
إرسال تعليق