المشاركات

مشاركة مميزة

فاروق الدسوقي يكتب: رسالة إلى أنغام.. حين يُصبح صوتكِ دواءً

صورة
  في ليالٍ طويلة ، عندما كانت تضيق بي الأرض، ويُطبق الصمت على صدري، كان صوتكِ يناديني: «ونفضل نرقص، نرقص، نرقص لما العالم يفنى ويخلص»، وكأنكِ تذكرينني بأن للحياة وجهًا آخر غير الحزن. كنتِ تأتين في اللحظة الأخيرة، حين ي كاد اليأس أن يُحكم قبضته وينتصر عليّ، تهمسين لي بأمل جديد: «أنا وإنت حالة خاصة جداً، حالة مش موجودة فعلاً، ومفيش في حياتنا أصلاً، يا حبيبي عذاب»، كأنكِ تعديني بأن الغد سيكون أجمل، وأن الألم ليس قدري الأخير. وفي لحظات الانكسار وخيباتي الكبرى، كان صوتكِ يعلو في أذني: «أنا عايزة نفسي، حتى لو كل اللي باقي منها صوت، ما أنا لو هكمل حياتي بيك، من غير ما ييجي الموت، هموت»، كأنكِ تبوحين بما يجول في خاطري، بصوتٍ يمتلك قدرة عجيبة على تهدئة الوجع، وجعل الألم أقل حدّة. الكاتب الصحفي فاروق الدسوقي كم يوما ظننتُ فيها أن الحكايات انطفأت، ونامت على أعتاب الخذلان، وصار  الحبّ زائرًا مؤقتًا، فجاءت كلماتكِ لتوقظ الحلم: «حلمت تشوفني بالطرحة، ولون قلبي على الفستان، بجد هموت من الفرحة، طب احكي كمان، عن الأيام وعن بُكره، وعن كل اللي بحلم بيه، وبيت فوق السحاب نبنيه ونسكن فيه»، لتُعيدي ا...

فاروق الدسوقي يكتب: كيف تنجو مصر كل مرة؟

صورة
بعض العبارات لا تفهم في لحظتها، تحتاج زمنا وامتحانا لتكشف معناها الحقيقي، وربما الآن فقط، بعد ما مرت به مصر في السنوات الأخيرة، بدأ كثير من المصريين يدركون لماذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يكرر الجملة نفسها في كل مناسبة: «نحن نتعامل بشرف». الكاتب الصحفي فاروق الدسوقي في عالم تتغير فيه المواقف بسرعة، وتدار فيه الصفقات من خلف الأبواب المغلقة، ويصبح المكسب فيه أهم من المبدأ، بدت هذه الجملة غريبة حين قيلت، كأنها لا تنتمي إلى لغة السياسة المعروفة، لم يقلها الرئيس السيسي ليجمل صورة، أو ليصنع خطابا، لكنه قالها لأنه يعرف أن سقوط الدول يبدأ من اللحظة التي تبيع فيها قيمها لتربح معركة قصيرة. قالها بوضوح لا يحتاج إلى شرح: «لازم تكونوا واثقين في الله، وفي أنفسكم، لأننا لا نظلم ولا نفتري ولا نتآمر ولا نخون.. نتعامل بشرف في زمن عز فيه الشرف، فلازم النجاح والنصر يكون حليفنا في كل القضايا». هذه الكلمات لم تكن شعارات، كانت يقينا، وطريقة تفكير، وخريطة طريق لدولة تريد أن تبقى واقفة دون أن تتخلى عن نفسها في الطريق. من اعتاد أن ينتصر بالخديعة لا يفهم كيف يمكن لأحد أن ينتصر بالوضوح، ومن عاش على الفوضى لا ي...

فاروق الدسوقي يكتب: حين تنفس الحجر.. مصر تبني مجدها في المتحف الكبير

صورة
ماذا لو لم تُشرِع مصر يومًا هذا الصرح العظيم؟ وبقيت الصناديق موصدة في ظلمة النسيان، يحرسها الغبار، وتغفو داخلها المنحوتات كأحلامٍ حجرية تنتظر من يوقظها إلى الضوء. تخيل أن الحجارة التي نُحِتت لتتكلم، صارت تبتلع صمتها، وأن الوجوه التي خُلقت لتُبصر، حُكم عليها بالاختفاء الأبدي، وأن مصر لم ترفع الغطاء عن ماضيها، وتركت حضارتها في الظل، كأنها اختارت أن تمضي بلا ذاكرة، وتتوارى عن وجهها الأصدق والأقدم. سيكبر الأطفال وهم لا يعرفون من هي نفرتيتي، ولا لماذا كان خوفو يحدّق في السماء منذ آلاف السنين. سيتحوّل التاريخ إلى أسطورة بلا يقين، والهوية إلى حكاية تُروى بلسان غريب. أتدرك كيف يبدو وطن نسي جذوره؟ وكيف يعيش شعب فقد ملامحه الأولى، تلك التي صاغها الطين والنيل والخلود؟ تكمن عبقريتنا نحن المصريين في أننا اصطففنا إلى جانب الذاكرة الجمعية، وأعدنا فتح الصناديق أخيرًا، فتدفّق الضوء على الوجوه المنحوتة التي انتظرت آلاف السنين، فأفاضت الحجارة أنفاسها الأولى، واستيقظت الملامح القديمة من سباتها الطويل. إن افتتاح المتحف لا يُختزَل في احتفال أثري، بل هو فعل وعيٍ يعلن أننا متمسكون بجذورنا وهويتنا. فذلك البناء...

فاروق الدسوقي يكتب: من أجل مشروع وطني لتوثيق حرب أكتوبر

صورة
كل عام، في السادس من أكتوبر، تتردد الأغاني نفسها، تعاد المشاهد ذاتها، تستدعى وجوه الأبطال من بين الأرشيف، كما لو كنا نستحضر ذكرى بعيدة لا نعيشها . نعم، نحتفل بالعبور العظيم، لكن شيئا ما يتسلل من بين أيدينا في كل مرة، شيء لا يرى، لكنه جوهر الحكاية كلها: المعنى .   فالاحتفال وحده لا يكفي، لأنه ليس تاريخا عابرا في التقويم، ولا حدثا في نشرة الأخبار، وإنما معرفة يجب أن تورث، وسرد يجب أن يذكر كما كان، لا كما اختزلته الصور والأغاني والأفلام . الكاتب الصحفي فاروق الدسوقي إن مرور الزمن لا يمحو الأحداث فقط، لكن تبهت دلالتها في الوجدان، حتى تصبح الحرب في عيون الأجيال الجديدة مجرد أغنية حماسية أو مشهد في فيلم قديم . ومع هذا التلاشي البطيء للمغزى، يتجلى نداء الكاتب الصحفي مصطفى عمار، رئيس تحرير جريدة الوطن، كصرخة في زمن السرعة والسهو: «نحتاج إلى مشروع إعلامي ضخم لجمع وثائق حرب أكتوبر، لتتاح للأجيال المقبلة، لا أن نكتفي بإحياء الذكرى». قد تبدو الدعوة بسيطة في ظاهرها، لكنها في جوهرها تمس ما نفتقده حقا: أن نمتلك سرد سيرتنا بأيدينا نحن المصريين . فالمبادرة التي يقترحها «عمار» ليست موقعا إلكترونيا أ...

فاروق الدسوقي يكتب: متى يتوقف الأب عن القتال؟

صورة
  كانت السماء رمادية، كأنها تتهيأ للبكاء. الضوء يزحف على الأرض بحذر، والريح تمر بين أوراق الشجر بخفة من يعرف أن شيئا مقدسا يحدث هناك. في باحة بيتنا القديم، الذي تكسوه ملامح الصبر، يجلس أبي على كرسي خشبي مائل شهد كل فصولنا معا: ضحكنا، خلافاتنا، وصمته الطويل. كان المقعد يئن تحت جسده، كأنه تعب من الدور نفسه، من لعبة الحياة التي تنتهي دائما بتبديل الوجوه. أمامه فنجان شاي بارد، لم يشرب منه إلا رشفة واحدة، يداه ساكنتان فوق ركبتيه، لكن داخله يعج بحركة لا تُرى، لم يقل شيئا، لأن الصمت أحيانا أبلغ من الكلام. حوله سكون كثيف يشبه الصلاة، وعلى الطاولة أمامه ورقة مطوية بعناية، وقلم انكسر رأسه، ونسمة تعبر كأنها تفتش في الذاكرة. أما أنا، فأقف في الطرف الآخر من المشهد، أراقبه عن بعد، وجهه مألوف وغريب في ذات الوقت، كأن الدهر عبث في ملامحنا وترك بيننا مرآة نصف مكسورة. اقتربت منه بخطى مترددة، لم أسمع لصدى أقدامي أثرا، حتى قلبي كان ينبض بهدوء غريب، يخاف أن يوقظ شيئا نام منذ أمد طويل. رفع نظره نحوي، وقال بصوت خافت: «هل تعرف متى يتوقف الأب عن القتال؟». لم أجب. نظر بعيدا، وتابع بنبرة متعبة: «حين يصدق أن أ...

فاروق الدسوقي يكتب: على الأسفلت.. عندما خذلنا «ابن الحلال»

صورة
تنويه: «هذا النص مستلهم من أحداث حقيقية، وأي تطابق مع الحياة مقصود تماما، فالواقع أحيانا يكتب القصص أفضل من الخيال». أحيانا لا تأتي دروس الحياة في قاعات الدراسة، وإنما على الأسفلت، في لحظة عطل بسيط قد يكشف معدن أنفسنا ومن حولنا. لم تكن العبرة عن السرقة ولا الثقة، لكن عن النقاء الذي يصر على البقاء رغم كل ما يحدث لنا، وفي كل مسار طويل، يأتي وقت تختبرنا فيه الحياة دون إنذار، امتحان صغير لشيء أكبر بكثير: إنسانيتنا. كم مرة صادف الإنسان غريبا يمد له يده؟ وكم مرة خذله من حاول أن يبدو ابن حلال؟ اليقين في هذا الزمن يشبه السير حافيا فوق الزجاج، مؤلم، لكنه الدرب الوحيد للحفاظ على ما تبقى من نقاء الفؤاد. وهذا ما حدث.. ذات يوم على مشارف المعادي. كان الطريق يمتد أمامه طويلا فوق أرض ساخنة تحت شمس حارقة، والمحرك يئن بتعب واضح كأنه يوشك أن يتوقف، ثم خذله بالفعل وتعطل. نزل من السيارة، والحرارة تخنق الهواء، ورائحة الحديد الساخن تملأ أنفه، رفع الغطاء فاكتشف العطل البسيط: نقص في ماء الريداتير. في دقائق، توقف سائق نقل، ثم آخر، وجاء ثالث يحمل زجاجة مياه كأنها نجدة من السماء، قال أحدهم بابتسامة مطمئن...

فاروق الدسوقي يكتب: فبصرُك اليوم حديد.. محاكمة خاصة

صورة
هناك أوقات لا تشبه سائر الأيام، ينكسر فيها الزمن، ويتوقف الكون عن الدوران فجأة، فنجد أنفسنا وجهاً لوجه مع حقيقتنا المجردة، أمام مرآة لا ترحم، تدفعنا إلى مواجهة لا مفر منها. بالأمس، وقفنا جميعا حول نعش صديقنا الراحل أحمد، لم يكن يعرفنا كما نعرف أنفسنا، لكنه صار كاشفا لكل ذنوبنا، ما أجلناه، وما سرقناه من أعمارنا ومن حياة الآخرين. كانت السماء رمادية، والبرد يلتف حولنا مثل خيط رقيق من المعصية، والصمت ثقيل، لكنه ليس أقوى من أصواتنا الداخلية التي فضحت ما نخفيه عن الجميع. حملنا الصندوق معا، وفي اللحظة ذاتها حمل كل واحد منا محاكمته الخاصة، لم يكن هناك قضاة ولا شهود، فقط ضمائرنا العارية وحدها. اقترب محمد من التابوت، والارتجاف يفضح قلبه، فهو الخائن الذي لم يغفر لنفسه غدره لزوجته منى، استحضر كل وعد ضاع، وكل دمعة تركها على وجنتيها، وكل ليلة كان يعود متأخرا ليخفي سره عنها. رأى في ذهنه وجه ابنته الصغيرة ليلى، تنظر إليه ببراءة وهو يحتضن في داخله خيانة موجعة، وقف أمام سرير الميت يواجه مرآته، لا مهرب، ولا عذر، ولا غفران: «مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ». وبالقرب منه كان خالد ي...

فاروق الدسوقي يكتب: أخطر من المخدرات.. أنا لست عبدًا لأفكاري

صورة
قبل أعوام، دخلتُ عيادته كمن يجرّ وراءه حقيبةً مثقلةً بأيامٍ مشحونة، حملاً لا يراه أحد، لكنه يسحبني إلى الأرض كحجرٍ مربوطٍ في قدمي. جلستُ في غرفة الانتظار أحدّق في ساعةٍ معلّقةٍ على الجدار، تتحرك عقاربها ببطء، كأنها تشاركني عبءَ روحي. نادوا اسمي، فاتجهتُ إلى حجرة صغيرةٍ يملؤها نورٌ خافت، كان هناك مكتبٌ تتناثر فوقه أوراق، ومجسّمٌ صغيرٌ لدماغٍ بشري، وكرسيّان متقابلان، أحدهما لي، والآخر لرجلٍ بدا وكأنه يقرأ وجهي أكثر مما يطالع ملفي. رفع الطبيب عينيه عن حافظة بياناتي، نظر إليّ مليًّا، ثم خاطبني بنبرةٍ هادئةٍ لكنها لا تحتمل الجدال: «أنتَ مدمن.. وتعاني من اكتئابٍ حاد». اخترقتني كلماته كصفعة، فارتبكتُ وأجبتُ بسرعة: «لكني تركتُ الخمر منذ سنوات، وهجرتُ المخدرات منذ عقد». ابتسم ابتسامةً قصيرة، كمن يملك الحقيقة منذ زمن، وقال: «أنتَ أسير التعلّق بالأماكن التي رحلتَ وما زلتَ تسكنها، بالوجوه التي مضت ولا تتركها، بالذكريات التي انتهت ولا تكفّ عن إعادة شريطها بلا نهاية». خرجتُ من عنده أجرّ خطواتي المكبّلة، فوجدتُ صديقي ينتظرني على الرصيف، كان يعرف أنني أكره دخول مثل هذه الأماكن وحدي. أشعل سيجارته وسأل...