فاروق الدسوقي يكتب: رسالة إلى أنغام.. حين يُصبح صوتكِ دواءً
في ليالٍ طويلة، عندما كانت تضيق بي الأرض، ويُطبق الصمت على صدري، كان صوتكِ يناديني: «ونفضل نرقص، نرقص، نرقص لما العالم يفنى ويخلص»، وكأنكِ تذكرينني بأن للحياة وجهًا آخر غير الحزن.
كنتِ تأتين في اللحظة الأخيرة، حين يكاد اليأس أن يُحكم قبضته وينتصر عليّ، تهمسين لي بأمل جديد: «أنا وإنت حالة خاصة جداً، حالة مش موجودة فعلاً، ومفيش في حياتنا أصلاً، يا حبيبي عذاب»، كأنكِ تعديني بأن الغد سيكون أجمل، وأن الألم ليس قدري الأخير.
وفي لحظات الانكسار وخيباتي الكبرى،
كان صوتكِ يعلو في أذني: «أنا عايزة نفسي، حتى لو كل اللي باقي منها صوت، ما أنا
لو هكمل حياتي بيك، من غير ما ييجي الموت، هموت»، كأنكِ تبوحين بما يجول في خاطري،
بصوتٍ يمتلك قدرة عجيبة على تهدئة الوجع، وجعل الألم أقل حدّة.
كم يوما ظننتُ فيها أن الحكايات انطفأت، ونامت على أعتاب الخذلان، وصار الحبّ زائرًا مؤقتًا، فجاءت كلماتكِ لتوقظ الحلم: «حلمت تشوفني بالطرحة، ولون قلبي على الفستان، بجد هموت من الفرحة، طب احكي كمان، عن الأيام وعن بُكره، وعن كل اللي بحلم بيه، وبيت فوق السحاب نبنيه ونسكن فيه»، لتُعيدي التذكير أن القلوب يمكن أن تعود وتنبت من جديد، وأن خلف كل وجعٍ احتمالاً لفرحٍ قادم.
كان صوتكِ يا أنغام من الأصوات
النادرة التي لا تُشبه سواها، كأنه خُلق ليرافقني في أوقات التعب والانكسار،
فتتحوّل لحظاتي المثقلة بالخذلان إلى مساحات صغيرة من الضوء تتّسع شيئًا فشيئًا، لم يكن غناءك مجرد
غناءٍ عابر، بل كان صديقًا يعرف متى يجيء، ومتى يربّت على أكتاف قلبي المرهق.
نعم، صوتكِ كان لي كالدواء، كالبلسمٍ
أضعه على جراحي فتخفّ، كاليد التي تحتضن روحي المتعبة، كالوعد الذي يجعلني أصدّق
أن الليل مهما طال، لا بد أن ينكسر، كنت أسمعكِ ترددين: «راحت ليالي، رجعت ليالي،
أجمل ليالي في العمر معاك»، فيصبح الألم أقل وجعًا، والليل أقصر بكثير.
في «الركن البعيد الهادي»، كنتِ
ترسمين ملامح لهفتي، ارتباكي، وخوفي من الانتظار الطويل للحب والفرح والنجاة، كنتُ
أراكِ تغنين لقلبي الصامت، ذلك الذي يجلس على مقاعد الأمل، يحلم أن تُفتح أبواب
الشمس، ويذوب الجليد من حوله، كما ذاب الثلج في كأس الليمون في أغنيتكِ.
كم من مرة غرقت في وجع الفقد، فجاءني صوتكِ يهمس: «عن فرح غايب، عن قلب دايب، وعن حبايب كانوا هنا».
وكم من لحظة سالت فيها دموعي على
ألحانكِ، وأنتِ تلمحين بحنان: «سيبك أنت، أهم حاجة تكون مبسوط ومزاجك عال، وتكون
بتنام مرتاح البال».
وتارةً، تصالحت مع ذاتي، حين سمعْتُكِ
تقولين: «هفتكر لحظة لقانا، وأنسى لحظة ما افترقنا، لما كنا بنقسم الفرحة في
عيونا، هفتكر له حاجات كتير، وأتمنى له الخير».
وفي لحظات الضعف، أمسكتُ بخيوط الأمل،
وأنا أستمع إليكِ: «يا ريت عندي لقلبي بديل، ومش علشان ينسّيني، لكن علشان
يقوّيني، في لحظة ضعفي ميسبنيش».
وكلما شعرتُ أن القلب الذي أحبّ لا
يمكنه أن يحبّ مرة أخرى، نقضتِ ذلك الاعتقاد بصوتكِ: «من أول ما ابتدينا في
الكلام، من أول لمسة بينا في السلام، أنا قلبي حس يومها أوام، أوام، إحساس غريب صعب
أقوله».
وحين دخل الحب حياتي، قلتِ لي: «يا كل
الكلام اللي بشفايفي بهمسوا، يا أملي اللي بتمنى أطولوا أو ألمسوا، يا هوا من زمان
عايشة عشان بتنفسوا، يا ريت أبقى آخرك في الحياة دي وأولك».
وعندما انتصرتُ على اليأس، وخرجتُ من
كهف الإحباط، استقبلني صوتكِ قائلاً: «ولا دبلت ولا قبلت، تعيش على الرف من بعده،
صحيح وقعت لكن وقفت، وقلبها خف من مرضه».
ووسط كل ذلك، كنتِ – دون أن تقصدي –
تفتحين لي نافذة على حكاية الزمن كما رواها حديث الصباح والمساء، كأنها لوحة أزلية
تتكرر منذ ولادة الحلم الأول، كان صوتكِ يتهادى من بعيد مرددًا: «الصبح طفل بريء،
ومساه يبان تجاعيد، وفوق طريق الأيام تجري الحياة مشاوير، ونشوف ملامح الزمن
متعادة في المواليد، واحنا البشر كلنا أعمار ورق بيطير».
وحينها كنتُ أفهم أن الحزن ليس اختراعًا جديدًا، وأننا جميعًا في هذه الدائرة التي «تدور بالبشر، ويّا الزمان بتفوت»، نوزّع دموعنا بين حسرة على ما رحل، ودمعة أمل لما سيأتي، كان صوتكِ يوشوشني بأن «دي حكاية متكررة من يوم ولادة الضيّ»، وأن الفرح – مهما تأخر – سيطرق أبوابنا ذات يوم، كما لو أنه قدرٌ مكتوب على هامش الحياة.
عزيزتي أنغام، أعترف لكِ بأن نغماتكِ
وجدت طريقها إلى قلبي، وصارت كالأصدقاء الذين نلجأ إليهم حين تعصف بنا الحياة،
رافقت أغنياتكِ حزني، منحتني القوة في وجه العواصف، وصار صوتكِ دواءً أتداوى به من
خيبات الزمان.
واليوم، وأنا أعرف أنكِ تُصارعين المرض، جاء دوري لأربّت على قلبكِ، وأردّ لكِ شيئًا من ذلك المعروف، وأطالبك بأن تقاومي، كما قاومنا نحن الحزن على أنغامكِ.
اصمدي يا أنغام، كما صمدنا نحن بأغنياتكِ، وعودي لتغني: «أنا الإرادة، وطايرة في الحياة بجناحين، وعارفة طريقي سكته فين، قوية غنية عن التعريف، أنا الإرادة، بإيدي الدنيا والأيام، ومش قابلة أعيش أوهام، أنا زحمة بشر ورصيف، ومهما الدنيا تكسرني وشمسي تغيب، أكيد بكرة أنا هفرح».

تعليقات