عندما ترى فيلم Inception، يتوقف نظرك عند أبرز ما يُقال في كل مشاهده: إن أخطر فكرة هي التي تؤمن بها دون أن تدري أنها زُرعت فيك.
عالمٌ معقّد من الأحلام داخل الأحلام، هكذا تدور أحداث الفيلم، ويُكلَّف البطل بزرع فكرة في عقل شخصٍ ما دون أن يدرك أنها ليست فكرته، يقود «دوم كوب» اللصّ المحترف، فريقًا متخصصًا في سرقة الأفكار والمعلومات والأسرار من عقول الآخرين من داخل أحلامهم.. لكن هذه المرة، يُطلب منه عكس العملية، فبدلًا من أن يسرق فكرة، عليه أن يزرع أخرى داخل عقل وريث شركة عملاقة، «روبرت فيشر»، تجعله يفكك إمبراطورية والده.
 |
الكاتب الصحفي فاروق الدسوقي
في الفيلم، ينجح المخرج الشهير كريستوفر نولان في تحقيق فكرته الفلسفية حول: متى تكون الفكرة خطيرة؟ ويقول إن ذلك يحدث حين تنمو بداخلك وتظن أنك من ابتدعها. في واقعنا، نجحت جماعة الإخوان الإرهابية في غسل الأدمغة، وزرع التطرف، وغرس الهوية الزائفة. لم تكن تسعى فقط إلى السيطرة على الحكم، بل على الحُلم ذاته.. أن تعيد برمجة وعيك، لا اختطاف جسدك.. حاولوا أن يُبقونا نيامًا، وكان هدفهم بسيطًا وخطيرًا: أن ننام.. وألا نستيقظ أبدًا. تمامًا كما في الفيلم، أراد مهندسو الوعي في جماعة الإخوان الإرهابية أن يجعلونا نائمين داخل فكرةٍ تبدو سماوية، لكنها تخدم الأرض الخطأ.. والعدو الخطأ. أرادونا أن نُغلق أعيننا على مشهدٍ واحد: أمة بلا حدود، وخلافة بلا علم، وجهاد لا يعرف العدو من الصديق.. لم يكتفوا بأن نُقتل فقط، بل أن نصبح طائعين، مطيعين، مؤمنين بفكرة لم نخترها، لكنها صارت فينا كأنها من أنفسنا. هكذا أرادت جماعة الإخوان الإرهابية أن تفعل بنا؛ لم يُشهروا السلاح في وجوهنا أولًا، بل دسّوا بذرة الحُلم: «وطنك ليس وطنك.. مصر ليست أمك، الدولة كفر، والولاء للخلافة والمرشد، لا للعلم ولا للأرض».. أرادونا نيامًا.. لا في أسرّة، بل في العقول. في تل أبيب، عندما وقف الإخوان الخونة يرفعون علم إسرائيل، ويهتفون ضد القاهرة، ظنّوا أن السيناريو قد اكتمل. ظنّوا أن البذرة التي زرعوها في القلب المصري قد نضجت، وأن الجيل الجديد لم يعُد يرى مصر وطنًا، بل «عقبة أمام الخلافة». لكنهم نسوا شيئًا مهمًا: أن هناك من لم ينَم، أن بيننا من لم يُسحر بالأناشيد، ولم ينخدع بالشعارات والرايات، من ظلّ يُردّد في صمت: بلادي وإن جارت عليّ عزيزة.. من عرف أن الدين لا يُستخدم مطرقة فوق رؤوس المخالفين، ولا سيفًا فوق رقبة الوطن. إنهم حُرّاس الوطن.. الذين أفسدوا عليهم النوم. في الفيلم: لم ينجح «حرّاس الوعي» في إنقاذ الضحية. في الواقع: توالت ردود أفعال المصريين الغاضبة على ما فعله الإخوان المجرمون أمام السفارة المصرية في تل أبيب، على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أبصروهم يرفعون علم الاحتلال ويهتفون ضد مصر. فسقط القناع، ولم يعُد يرى المصريون الجماعة كـ«تنظيم»، بل كحُلمٍ مسموم، وبرنامج خبيث في نظام وعينا العربي. نعم، المصريون.. هم من أفسدوا الحُلم الذي أرادت الجماعة لنا أن نستيقظ داخله، نرفض أوطاننا، ونخون باسم الله. لكنّ المصريين «حُراس الوعي» من معلمين لم يُسايروا موجة التزييف، وجنود لم يحملوا سلاحًا فقط، بل حملوا وعيًا، وقضاة لم يرهبهم لحى مزيفة، ومثقفين فزعوا من عبثية المشهد، وشبابًا رفضوا النوم الجماعي، قالوا لهم: إن الدين لا يُقاتل الوطن، والجهاد الحقيقي أن تحمي تراب أرضك من الفكرة التي تحاول أن تمحوه أو تُلغيه. خاض المصريون جميعًا، على مواقع التواصل الاجتماعي، معركةً عنيفة، هي الأهم ضد جماعة الإخوان الإرهابية، حتى من قبل أن ينظّموا وقفتهم المشبوهة في تل أبيب. قالوا لهم: أدركنا حقيقتكم، أدركنا كم خسرنا من معارك حين سلّمنا عقولنا لكم، لكننا نعرف الآن أنه إذا حاولتم أن تُخدّرونا بالحُلم.. أيقظنا حب الوطن. |
إرسال تعليق