improve alexa rank «ورقة وقلم وخطاب».. العلاج على طريقة «الطب النفسي» -->
ومن الحب ما قتل ومن الحب ما قتل

recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

«ورقة وقلم وخطاب».. العلاج على طريقة «الطب النفسي»


كنت توقفت عن الكتابة منذ سنوات..

توقف عن الترجل في شوارع وطرقات «وسط البلد»..

توقفت عن سماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام..

لا شيء يشغلني سوى «الشغف».

ذلك الذي تحول فجأة إلى «آلام رهيبة» تضرب كل أعضاء جسدي، أما العقل، فقد أرهقه التفكير في كل شيء، تذكرت حديث الدكتورة «نانسي» عن البالونة التي حتما ستنفجر إذا ما زاد الهواء داخلها، وأن عقلي ربما ينفجر مثلها إذا ما زادت الأفكار السلبية، تذكرت نصائحها، وما طلبته مني في جلستنا الأخيرة داخل عيادتها بوسط القاهرة.


ربما حان وقت العلاج على طريقة «الطب النفسي».. فأنا ـ على الأقل ـ أعلم جيدا حقيقة مرضي، وأسباب الألم الذي ينهش في عقلي وجسدي معا، كل ما علي فعله، تنفيذ ما أمرت به.

«ورقة وقلم» هو كل ما أحتاجه، وبعض الهدوء الذي لا أجده في أي مكان، حتى في رأسي، كيف أكتب؟، وتلك الأصوات تصرخ في رأسي طوال الوقت، سأبدأ بتمارين التنفس والعد للتخلص منها أولا.

واحد، اثنان، ثلاثة، لا.. لا، هذا الصوت لن يسكت أبدا.. ولن تفيد تلك التمارين في شيء.
ربما لأنه «التمرين الأول»، حاول تكراره مرة ثانية، يحتاج الأمر إلى بعض الوقت، اصبر وافعلها ثانية.

واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة..

لا شيء يهمني سوى العلاج من الأمراض النفسية، وطرد تلك الأفكار التي تطاردني مستيقظا ونائما، قد يكون حان الوقت لأعود للكتابة، ولكن كيف أبدأ؟

قالت «نانسي» إن الأمر قد يستغرق وقتا، وإن هناك ما سيمنعك في البداية، وتذكر أنه «الاكتئاب».. المرض الذي يحاول التمكن منك، فلا تدعه ينهش قلمك أيضا، وانتصر عليه، لأنك تعرف الآن ماذا يحدث لك.

وتذكر أيضا أن لا أحد في هذا العالم يستطيع مساعدتك، أنت فقط من تستطيع فعل ذلك، حتى أنا لا أملك مساعدتك إلا إذا كانت لديك الرغبة في الشفاء.

حسنا سأبدأ..

سأكتب كل ما يدور في رأسي: «أشعر أنني وحيد، جئت إلى الحياة لأعيش مكتئبا، لا هدف أحاول الوصول إليه، ولا أجد سعادة بين كل المحيطين بي، لا أستطيع الجلوس مع أي شخص في العالم أكثر من 5 دقائق، يتحدث الجميع إلي، ولا أسمعهم، لا أهتم بما يقولون، فقط تشغلني هي، فأنا لا أنساها أبدا، وإن بعدت بيننا الأيام والمسافات، حتى وأنا هناك.. في نهاية هذا الكون الفسيح، هي لا تغيب».

سأتوقف يا «نانسي».. فالكتابة موجعة، والتفكير فيها يزيد، والألم لا ينتهي.. سأتوقف فورا، سأذهب للجلوس مع أحد أصدقائي على المقهى، ربما يستطيع إلهائي عن التفكير، وسأعود للورقة والقلم مرة ثانية، ولكن ليس الآن.. ليس الآن!.

كان حديث الطبيبة «نانسي» الأخير طويلا، وانتهى بكتابة بعض المهام المطلوب تنفيذها قبل زيارتها الأسبوع المقبل: «مارس بعض تمارين التنفس والعد، وكتابة «خطاب» لإحداهن!».

سألتها: كيف أفعل ذلك؟ وأنا لا أستطيع الكتابة عنها.. فكيف أكتب لها؟ 

وأكملت حديثي: لماذا؟

 وقبل أن أوجه سؤالا آخر، قالت «نانسي» بكل ثقة: «سوف تكتب، وتحضره معك في الجلسة المقبلة، لنقرأ الخطاب معا».

ماذا يدور في رأس هذه الطبيبة؟ ولماذا تطلب مني كتابة هذا الخطاب اللعين؟، وقبل أن تنطلق الأفكار في رأسي.. قاطعتها «نانسي» قائلة: «أعلم أنه يدور في رأسك الآن صراع، وأن الأفكار السلبية بدأت في الهجوم على رأسك، سأقول لك ماذا يحدث بالضبط، أنت تفكر كثيرا، وبسرعة رهيبة لا يستطيع إنسان غيرك فعلها، وهذا ما تسبب فيما بعد في إيذائك.. تظن أنها مشكلة كبيرة وعيب خطير، ولكن هل تعلم أنه يمكن أن تستفيد من هذا العيب، إذا ما تمكنت من السيطرة على تلك الأفكار وإعادة توجيهها فيما يفيدك.. قريبا ستتعلم ذلك.. ما يهمني حاليا الالتزام وتنفيذ «كورس العلاج» الذي وصفته لك، ولا تترك الدواء الذي وصفته لك فجأة، حتى لا تتعرض لأي انتكاسة.. لا تترك الدواء أبدا دون الرجوع إلي.

كانت عيادة الطبيبة في الطابق التاسع، وكالعادة أصعد بـ«الأسانسير» الذي يتعطل في نفس الطابق كل مرة.

درجات السلم مرتفعة، وقديمة، مثلها كغيرها في العمارات المجاورة في تلك المنطقة، أتحسس خطواتي أثناء نزولي عليها خوفا من نعومتها.. قد تنزلق قدمي في إحدى المرات، يا ليت المصعد لا يتعطل، ربما لا أعود إلى تلك العيادة الأسبوع المقبل.

وفي الطريق، توقفت أمام أحد محلات الملابس مثلما كنت أفعل في الماضي، وتذكرت.. هنا وقفنا معا، نعم، بعد أن أنهينا حديثا مطولا في الهاتف، لأنتظرها بالقرب من ميدان عبد المنعم رياض في التحرير، أتلصص النظر إلى سيارات الميكروباص القادمة من شارع جامعة الدول العربية.. قلبي يدق بسرعة.. صوته يرتفع، أسمعه في رأسي، لا يتوقف أبدا حتى تصل.

لماذا تأخرتي؟ 

إنه زحام الطريق؟

في المرة القادمة.. لا تتأخري.. حاولي النزول من العمل مبكرا.. فهذا القلب في صدري لا يستطيع الصبر على انتظارك.

تبتسم!.

إنه عقلي.. كعادته، يستدعيها في كل وقت، يرفض نسيان الماضي، يحاول إيذائي بأي وسيلة، سأذهب، سأعود إلى المنزل، وأغادر من أمام هذا المحل فورا.

ولكن ماذا سأفعل في هذا الخطاب الذي طلبته الطبيبة؟ هل سأكتبه وأذهب لأقرأه معها.. في الجلسة المقبلة؟






عن الكاتب
فاروق الدسوقي صحفي


ModyTech

جميع الحقوق محفوظة لـ

ومن الحب ما قتل

2019