فاروق الدسوقي يكتب: إلى ابني.. وصايا من حكمة يعقوب وعزيمة صلاح
حين فكرت أن أرسل لك درسا واحدا تحمله معك في رحلتك، لم أعثر على أجمل من هذا اللقاء ليكون رسالة أب يعرف أن الكلمات وحدها لا تكفي، لكن الحكايات تفعل.

ليس لأنهما مشهوران، ولا لأن الناس تحب صورتيهما، لكن لأنهما كشفا ما يخفونه: كيف يصبح الإنسان نفسه، بلا خداع.
تمنحنا الحياة مشاهد صغيرة، لكنها تفتح أبوابا واسعة في الروح، ليست معجزات، لكنها كاليد التي تلمس كتفك في اللحظة التي توشك فيها على السقوط.
يا بُني،
لا تدع العالم - بكل ضجيجه وأقنعته وادعاءاته - يروض أحلامك، شاهد وأنصت جيدا لهذا الاجتماع، صلاح، بملامحه التي ما زالت تحمل شيئا من طفل نجريج الذي لم يترك الحلم ينطفئ في عينيه، ويعقوب، بوقار الحكيم الذي رأى من القلوب ما يكفي ليدرك أن الإنسان لا يعرف من ملامحه، وإنما بما ينهض به كلما سقط.
لم يتكلم أحدهما كرمز، ولا الآخر كأسطورة، كانا مجرد إنسانين يقولان الحقيقة التي يخاف الناس من قولها: «الطريق يبدأ من الإيمان قبل الموهبة».
قالها صلاح ببساطة طفل يعترف: «كنت واثق من نفسي من الأول»، لم تكن ثقة المستعرض، لكنها ثقة من سار خطوات طويلة في الظلام قبل أن يراه أحد أو يؤمن به.
وفي الجهة الأخرى، قال يعقوب جملة تكاد تضيء وحدها: «سيبوني أعمل اللي مؤمن بيه»، بلغ الرجل من العمر ما يجعل الكلام ثقيلا وزنا ومعنى، لكنه لا يزال يدافع عن الحق البسيط في أن يعيش الإنسان وفق ما يحب، لا وفق ما ينتظر منه الآخرون.
جلس يعقوب كأن الزمن يدين له بشيء، جربته الدنيا، وحاولت أن تحد من حلمه، لكنه، بغرابة جميلة، لم يرفع صوته يوما، وكانت جملته وحدها كافية لتغيير حياة إنسان يتمسك بأحلامه.
هنا، في هذا الالتقاء بين طفل سابق أصبح لاعبا عالميا، ورجل حكيم أصبح جراحا ينقذ القلوب، فهمت الدرس الذي أريد أن تراه قبل أن تسمعه، وهو أن النجاح ليس قفزة واحدة، إنما خطوات كثيرة، وأن الإيمان بالنفس ليس غرورا، لكنه شكر للحياة التي منحتك فرصة التجربة، والعمل الحقيقي لا يحتاج إلى كاميرات، بل إلى قلب هادئ ينهض كل صباح ليقول: «أنا ذاهب إلى ما أحب».
كانا يتحدثان بخشوع يربك الكاميرات، وثقة تشبه بذرة مدفونة تحت الأرض، لا تسأل الشمس إن كانت ستأتي، لكنها تنمو على أي حال.
صلاح، رغم الملايين التي تهتف باسمه، يحكي كمن ما زال يحاول، ويعقوب، الذي أنقذ قلوبا تكفي لكتابة تاريخ كامل، يروي كمن يبدأ يومه الأول، وهذا هو التواضع الذي يجعل الإنسان عظيما دون أن يطلب ذلك.
من بين كلماتهما خرجت دروس كثيرة، لكنني توقفت عند ثلاث جمل قالها يعقوب وكأنها وصايا للبشر:
أولا: أن تحب ما تفعله حبا حقيقيا، وتختار الشيء الذي تستيقظ لأجله دون أن يوقظك أحد، فالعمل الذي لا تحبه يطفئك قبل أن يكسرك.
ثانيا: أن تصبر وتثابر، لأن الطريق طويل، ومن لا يصبر ينهزم قبل أن يبدأ.
ثالثا: أن تظل متواضعًا، لأن التواضع أن تعرف قيمتك دون أن تطالب أحدا بأن يصفق لك.
أما صلاح، فقد علم درسا آخر لا يقل جمالا، أن الغربة قد تهزم الجسد، لكنها لا تهزم القلب إذا كان ممتلئا بالبداية التي خرج منها، وأن الأب - أي أب - يستطيع أن يغير مصيرا كاملا عندما يضع يده على كتف ابنه ويقول له: «أكمل».
يا بُني،
هذه دروس لقاء يعقوب وصلاح الفريد، الذي جمع اثنين من أعظم أبناء مصر، اثنين من أعظم أنواع البشر، رجل يصنع الحياة بقدميه، ورجل يعيدها بأصابعه.
تعلم منهما أن تؤمن بنفسك حتى لو شك العالم فيك، وأن تتقن ما تحب حتى لو تأخر التصفيق، وأن تظل بسيطا مهما ارتفعت، وأهم من كل هذا، تعلم أن الإنسان لا يحتاج إلى معجزة، لكنه يحتاج أن يصبح هو نفسه المعجزة.
وإن سألوك يوما: من علمك هذه الوصايا؟
قل لهم: «أبي، ورجلان التقيا ذات يوم، فغيرا شكل قلبي وعقلي معا».
تعليقات